حكاية غير متوقعة من مدينة لم تعد منسية
نشرت
15 أغسطس 2024
مؤلف
حسن كامل


بعدسة وقلم// حسن كامل
هذه قصتي بعد مغادرة منزلي في الخرطوم، السودان، بسبب اندلاع حرب مفاجئة في أحد أيام رمضان الأخيرة. هذه الحرب أدت إلى تشريد أكثر من 8.2 ملايين شخص حتى الآن، مما يجعلها أسوأ أزمة نزوح على مستوى العالم. أكثر من ربع سكان السودان- البالغ عددهم 47 مليون نسمة - نازح حالياً. قمت بتوثيق 13 شهراً من حياتي، و حياة عائلتي في مدينة بربر. بدأ مشروعي بعد أن انتقلت إلى بربر، مسقط رأس والدتي. وهي مدينة مألوفة مرتبطة عندي دائما بالذكريات الجميلة. كنا نحلق من الفرحة عند زيارة بربر في عطلة الصيف وفي الأعياد المختلفة. كنت دائما أوثق تلك الزيارات، لكنني منذ عام 2019، كرست جزءا كبيرا من أعمالي لمناقشة الإهمال الذي واجهته المدينة، على الرغم من أنها كانت في زماناً ما عاصمة الإقليم الشمالي. كانت صوري دعوة للتأمل في جمال المكان والنظر إلى روح هذه المدينة المنسية.


لفظتنا الخرطوم بجحيمها فكانت بربر -كعادتها- ملاذً وحضناً آمناً. استقبلنا الأهل في الشارع بالماء والحلوى وفرحة الوصول بأمان. أنساني هذا الاستقبال في تلك اللحظة ما حدث من أهوال الحرب. لكم كانت اللقيا لتكون أسعد لو أنها أتت في ظرف آخر لكنها كانت تكفيني في تلك اللحظة كتعويض عن الموت الوشيك الذي نجونا منه في طريقنا خارج الخرطوم.

وجدت نفسي في مكان مألوف وسط أشخاص لطالما أحسست وسطهم بأنني في المنزل. لكن هذه المرة تختلف رؤيتي لهذا المألوف فالمكان كما هو إلا أنني المتغير. فقد كان شبح الحرب وذكرياتها يطاردونني ويحتلون جزءاً كبيراً من مخيلتي. لن أنسى أصوات الرصاص والانفجارات ومنظر الدبابة المحطمة في شارعنا أو تلك اللحظات التي أحسست فيها باقتراب الموت أثناء غارة جوية وتفويتنا ل آخر باص سفري في المحطة.


بدأ هذا الكابوس عندما استيقظت على أخبار اندلاع حرب بين الجيش السوداني وميلشيا الدعم السريع في الخرطوم في يوم 15 أبريل. و سرعان ما انتشرت الحرب إلى مدن ومناطق أخرى. مرت أيام وأسابيع وشهور بل أكثر من عام على هذه الحرب، مع أنّ أحد قادتها كرر أنها ستحسم في أسبوع أو أسبوعين. في الشهور الأولى، ظل الجميع في حيرة وسؤال دائم "اها الخرطوم خبره شنو؟" " اها الشبكة جات؟" يتسمر الجميع على هواتفهم بحثا عن خبر. فبرغْم قناعتنا بأن أمد الحرب هذه سيطول إلا أن البحث الخفي عن أمل شارد كان يلازمنا في كل حركة. فكانت حالة من الترقب والانتظار الأبدي تلازمنا طوال الوقت. هذا المشروع هو محاولتي للتعبير عن المشاعر المعقدة التي عشتها منذ بداية الحرب، مصوّرًا المراحل ومحاولات التكيف على مدار العام الماضي.



كنت دائمًا أحلق بخيالي عائدًا للخرطوم بين لحظات الصمت والهدوء فأتخيلها دستوبيتنا التي كنا نحب. بشوارعها المغبرة وزحمتها المميزة وأكذب على نفسي بأنني لن أتذمر من ذلك بعد اليوم إذا عدت, فأنا حتمًا سأكون ساخط. انتهت التخيلات الآن لكن ظل السؤال "هل من عودة؟" ماثلًا
